هي.. رفاعية المولد والمنشأ من أخمص القدم الى قمة الرأس.. وليست الرفاع بالنسبة لها قصورا وفيلات وشوارع مرصوفة أو حدائق غناء انما الرفاع التي نشأت فيها ومازالت فيها تعيش مباني قديمة وبيوتا متلاصقة.. وشوارع مازالت تنقصها البنية التحتية من مصارف مجار وكثير من الخدمات.. لكنها تعودت هذه الحياة من الخمسينيات إلى الآن رغم تدرجها في مدارج الوظائف وانشغالها بقضايا الشأن العام والمرأة، بل انها لم تفتقد بعد تلك الروح الحميمية التي تجمع أهالي الفريج حيث يتواصى الجميع على الخير في الحزن والفرح..
ويعيشون في تكافل تفتقر اليه المدنية ولا يعشش كثيرا في ثنايا الفيلات وبيوت القرميد الواسعة. ابنة الفريج هي ابنة هذا الفريج نشأت هكذا يحدوها طموحها المشروع في الدراسة وتحصيل المعارف الثقافية من كل صوب وحدب. فهي شقيقة لتسع شقيقات بينهن اخوان ويأتي ترتيبها الثانية بين الجميع أما والدها ــ رحمه الله ــ فكان يعمل ببلدية الرفاع وله من الاهتمامات الثقافية الكثير التي جعلته يقتني الدوريات الادبية والسياسية مما طبع حياتها وهي صغيرة بنفس الطابع فنشأت محبة للغة العربية، ساعية الى الاطلاع منذ التحاقها بمدرسة الرفاع الشرقي الابتدائية والاعدادية ودراستها في الحورة الثانوية. كانت هذه خلفية سريعة لحياة مريم الرويعي رئيسة أول اتحاد نسائي في المملكة منذ أن نشأت بالرفاع وتربت فيها وكونت صداقات غضة بريئة وهي مازالت في عمر الزهور أمثال: شعاع خليل المؤيد، وموزة ابراهيم الكعبي، ومريم علي البوعينين، وأنيسة قرينيس، وعالية بدر الرويعي وأخريات. وفي هذه الحقبة ــ حقبة التكوين والبداية ــ تتلمذت على يد معلمات بارزات مصريات ــ لبنانيات ــ بحرينيات تذكر منهن نايلة النشمي، ولولوة النشمي، والسيدة خديجة والمديرة زينب عيدو لبنانية الاصل. وهي التي رعت اهتمامات مريم الرويعي التي انحصرت في قراءة كتب الادب وروايات نجيب محفوظ وقصص من ترجمة كرم احمد كرم.
ورغم ما تمتعت به مريم الرويعي من ثقافة عامة فإن هذا لم يشعرها بأي نوع من الاستعلاء، فقد طبعت العلاقات الحميمة للناس من أهل الفريج روحها وتركت بصمتها على كل علاقاتها وتعاملاتها حتى الآن وعندما انتقلت الى الدراسة الثانوية من الرفاع الى المنامة في مدرسة الحورة الثانوية لم تنقطع صلاتها الروحية بأهل الفريج. بين الرفاع والمنامة كانت تقطع رحلتها اليومية من الرفاع الى المنامة في الباص الذي كان يقوده السائق المرحوم عبداللطيف بن جلال، والحاج عبداللطيف لم يكن مجرد سائق بل كان أبا لجميع الطالبات.. حريصا عليهن ودودا بهن، وفي الحورة مثل الرفاع كانت لمريم صداقات عمر.. شمة فارس، وموزة الكعبي، وعائشة الرويعي، وأحلام محمد..
وفي اطار هذه الصحبة الطيبة تعلمت الكثير على يد مدرساتها أمينة الصالح، وثاجبة المنصوري، وفائزة الرفاعي، ونجدية اسحاق، وعواطف القصيبي، وغالية المدني، ومي آل خليفة. وظل خيط الثقافة موصولا من الرفاع الى المنامة عبر عضويتها في جمعية الرفاع الثقافية الخيرية التي أسستها نخبة رفاعية منهن المرحومة الشيخة منيرة فارس آل خليفة، وتينا ماجد وغيرهما.. وفي هذا الرحاب الثقافي نشأت مريم تشارك في الحفلات والندوات والنشاطات الرياضية وهي نشاطات رعتها «عضوات« الجمعية أمثال: طفلة آل خليفة، وموزة الكوز، وسبيكة سلمان آل خليفة. وقد تبنت هذه الجمعية أنشطة كثيرة وعروضا أهلية يشارك فيها ويحضرها الجميع. الدراسة العليا في الكويت وتعترف مريم الرويعي بأن حصولها على الشهادة الثانوية مثل علامة فارقة في حياتها العامة والعملية عندما غادرت البلاد للدراسة بكلية الآداب في جامعة الكويت..
وكانت هذه هي أول مرة تغادر فيها البلاد بمفردها.. وفي الكويت عاشت حياة مختلفة واطلعت على ثقافات متعددة واقتربت اقتراب المعرفة من تيارات وحركات سياسية كانت تموج بها الساحة العربية والقومية وتجسدت في مهرجانات وندوات. وانضمت مريم الى عضوية الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الكويت وزاملتها في هذه الحقبة بدرية القاسمي، وصباح الجنيد، وزينب نايم، ولطيفة البونوده.
وتعترف مريم بأنها تعلمت خلال هذه المرحلة الكثير من الاسس والمبادئ الى جانب استعدادها الفطري للالتصاق بهموم الناس والسعي الى المطالبة دائما بالاصلاح والتغيير من أجل الناس. وتذكر ان نشاطها الطلابي أتاح لها السفر الى خارج حدود الكويت في رحلات الى العراق وسوريا ولبنان والتقاء ممثلي الاتحادات الطلابية العربية. طموح له سقف ولان لكل طموح سقفا يضعه الانسان بنفسه ليقلص هذا الطموح أو تضعه الاقدار لتحد من هذا الطموح ولو مؤقتا لسبب أو لآخر فعندما توفي والدها عادت من الكويت وكانت في السنة الثالثة بكلية الآداب. كان المصاب كبيرا والحزن عميقا ولم يكن لديها سوى البقاء في البحرين مع الاسرة. ولما وجدت طريق استكمال دراستها مسدودا وشائكا لم يكن أمامها سوى تحقيق طموح آخر، هو الزواج، وبالزواج تغير مسار حياتها فاشتغلت بالبنك البريطاني على مدى ثلاث سنوات. ولما وجدت فرصة سانحة للالتحاق كمدرسة للغة العربية بالتربية والتعليم لم تتوان عن ذلك وبالفعل عملت مدرسة بمدرسة الرفاع الغربي الاعدادية مدة أسبوع واحد.. تركت بعدها العمل في الوزارة أو تركها العمل بالوزارة.. فالأمر سيان بالنسبة إليها.. فقد وجدت نفسها في النهاية وقد فقدت عملها في البنك البريطاني وفي التربية والتعليم.. وأسقط في يدها، ولم تجد أمامها للعمل سوى وظائف عابرة بالساعة في الاسبوع..
ثم توجهت بعدها نحو السعودية فالتحقت بالعمل في البنك السعودي البريطاني وعادت بعد أشهر قليلة لتلتحق بمؤسسة التأمينات الاجتماعية ولتواصل في الوقت نفسه دراستها للغة العربية بجامعة بيروت العربية ولتستكمل دراستها التي انقطعت في الكويت حتى حصلت على درجة البكالوريوس عام .1984 واستمر عملها في التأمينات الاجتماعية لتصبح مراقبة للعلاقات العامة والاعلام بمؤسسة التأمينات. جمعية الرفاع الثقافية وإذا كان هذا السرد التاريخي يكشف جانبا من تطور حياتها الدراسية والعملية فان هناك جانبا آخر ــ أهم ــ يكشف وجها آخر من وجوه طموح مريم الرويعي وهو اتصالها بالعمل العام والنشاط النسائي الذي بدأ في جمعية الرفاع الثقافية وانشاء اللجنة النسائية بنادي الرفاع الشرقي عام 79/.1980 وفي عام 1983 انضمت مريم الى جمعية نهضة فتاة البحرين، وهي ــ كما تقول مريم ــ جمعية تميزت بالنشاطين الاجتماعي والنسائي. علمتنا الكثير، وعرفنا من خلالها معاني الحوار والتخاطب واشتغلنا من خلالها بالعمل التطوعي. لم نكن ننتظر جزاء ولا شكورا بل كان ولايزال هدفنا العمل العام. على درب الاتحاد وفي فبراير من عام 98 تم انتخاب مريم عضوا في مجلس ادارة جمعية النهضة وأصبحت رئيسا للمجلس حتى فبراير .2002 وقد شهدت فترة رئاستها نشاطا جما ندوات ومؤتمرات وأهم هذه المؤتمرات مؤتمر المرأة الخليجية والالفية الثالثة في عام .2002 وكان مؤتمرا ناجحا بكل المقاييس شاركت فيه نحو 300 مشاركة ومشارك من البحرين والخليج.
وقدمت فيه أوراق عمل متميزة كان أبرزها أوراق د.جاسم المناعي، ود.محمد الرميحي، ود.احمد الرويعي، والاستاذة تهاني الجبالي (أول قاضية في مصر)، ود.فادية كيوان من لبنان، ود.فاطمة الشمسي من دولة الامارات وعضو مجلس الشورى العماني طيبة المعولي. وقد كانت أهم توصيات المؤتمر اعادة فكرة انشاء الاتحاد النسائي في البحرين. وانطلاقا من هذه التوصية واصلت المرأة البحرينية، جهودها من أجل اقامة الاتحاد وتم انتخاب مريم الرويعي رئيسة للجنة التحضيرية للاتحاد وكان قد عقد اجتماع موسع في ابريل من عام 2001 شاركت فيه جميع الجمعيات النسائية وشخصيات مستقلة انبثق عنه قرار بتشكيل اللجنة التحضيرية للاتحاد النسائي البحريني. واستمرت جهود هذه اللجنة وتوجت بانعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد.. ووصل الاتحاد إلى بر الأمان بعد شد وجذب. قانون الأسرة أولا وأخيرا وترى أول رئيسة للاتحاد النسائي البحريني ان من بين أهم أولويات عمل الاتحاد في المرحلة المقبلة قانون أحكام الأسرة وتبني حملة وطنية لتجنيس أبناء المرأة البحرينية.
وتقول: إننا نثمن مكرمة الملك حمد المفدى بمنح الجنسية لأبناء المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي آملين أن يتوج هذا التوجه السامي بتعديل المادة الرابعة من قانون الجنسية ليكون البحريني هو المولود لأب أو لأم بحرينية خاصة إذا علمنا ان أبناء المرأة البحرينية المحرومين من الجنسية يصل عددهم الى ما يفوق 1800 ابنة وابن. أما عن اصرارنا على قانون أحكام الاسرة فهو نابع من واقع عملي يحتمه الواقع ولا مجال للتذرع بوجود عدة مذاهب، فهذه المذاهب توجد في كل البلدان العربية والاسلامية، لكن ذلك لم يعق أحكام الاسرة وقد سبق ان اطلعنا بقراءة واعية على مسودتين للفقهَين السني والجعفري وكان الرأي القانوني السائد ان نقاط الخلاف لا تتعدى 20% في المسائل الخلافية المتعلقة بالفقه وان ما يقارب 80% من الاحكام هناك اتفاق عليها. مع العلم ان قانون أحكام الاسرة المطروح في البحرين لا يشمل موضوع الإرث انما يتصل بالمسائل المتعلقة بتنظيم العلاقات الزوجية عموما في اتصالها وانفصالها وحضانة الابناء والنفقة. ان القانون المأمول ــ تقول مريم الرويعي ــ يخدم أحوال الأسرة ويضع حدودا للتجاوزات الموجودة حاليا، فالمحاكم تعج بالقضايا المعلقة أمام القضاء سنوات عدة، بل انه إذا صدر حكم لا ينفذ. حظ أفضل في الانتخابات ما تتمناه مريم الرويعي أيضا في المرحلة المقبلة ان يكون حظ المرأة في الانتخابات أفضل من التجربة السابقة. إذ ان أي تغير مأمول لن يتم إلا من خلال القنوات الشرعية واعتمادا على أصوات الناس. وترى مريم انه يجب التركيز أيضا على التنمية الاقتصادية لتوفير فرص عمل وطرح حلول جديدة لمشكلتي الإسكان والكهرباء. ورغم ان مريم الرويعي قد تسنمت ذرى العمل النسائي في البحرين من خلال رئاستها الاتحاد النسائي فانها مدينة بكل هذا الى جمعية الرفاع الثقافية. وتقول: لقد فزت في الاتحاد كممثلة لجمعية الرفاع الثقافية الخيرية ومازلت على تواصل معها ومع ما تقدمه من مبادرات خيرية وتشجيعية للمرأة. فقد كرمت الجمعية الدفعة الاولى من مدربات السياقة كما عبرت عن هموم سائقات الباصات وهي شريحة تحاول مواجهة أعباء الحياة وتعاني إحجام البنوك عن منحها القروض لتجديد السيارات..
وقد حاولت جمعية الرفاع تبني هذه المشكلة من خلال اتصالاتها ببنك التنمية ومحاولة مدهن بالقروض الميسرة. وقد كانت لنا لقاءات مع الاستاذ نضال العوجان وشرحنا للبنك أبعاد هذه المشكلة ومازالت هناك متابعة لهذا الموضوع. حاولت الجمعية مع بنك التنمية أيضا إحياء فكرة لمواجهة البطالة الكبيرة بين شباب الرفاع والمطالبة بحاضنة صناعية في الرفاع للمساهمة في حل المشكلة. والقضايا كثيرة والمشاكل تحتاج الى حلول.. ويجب ألا نعتمد على الحكومة وحدها لحل ومواجهة هذه المشاكل بل ان المواطنين بتكاتفهم قادرون على الإسهام بالجهد والرأي والاخلاص في حل هذه المشاكل كلها أو بعضها والعمل على تحريك الاجهزة المسئولة من أجل حلها.
كتب: حافظ إمام