ضمن المؤتمر الإقليمي الذي نظمته جمعية المرأة البحرينية يومي 28 و29 أكتوبر، ومثلما ذكرنا في المقال السابق الذي أفردناه لورقة الاستاذ المحامي حسن إسماعيل، ورقتان برزتا بروزاً نوعياً في المؤتمر، وهما ورقة الاستاذ المحامي حسن إسماعيل وورقة الأستاذة مريم الرويعي. الورقتان تكملان بعضهما الآخر. قدمت الأستاذة مريم الرويعي ورقتها تحت عنوان «التحديات والصعوبات التي تواجه المرأة في الوصول للمجلس التشريعي»، وقد اقتبسنا عنوان الورقة ليكون عنوان المقال الحالي.
إن المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، والتحول النوعي لنهج الحكم الى مملكة دستورية، والارتكاز على مبدأ فصل السلطات، هذه كلها تعبر عن خطوات تقدمية في اتجاه دولة القانون والإصطفاف مع الدول التي تخطت الأنماط التقليدية السابقة للحكم؛ ومن النقلات الجوهرية في هذا التحول التقدمي هو انتشال المرأة من ثنايا إرث المجتمع الذكوري المنغلق، الذي ينتقص من حق المرأة ومكانتها، إلى آفاق مجتمع منفتح تتساوى فيه حقوق الرجل مع حقوق المرأة دون أدنى إنتقاص لأي منهما، حيث تعمل المرأة بجانب الرجل بروح الند للند، يؤازر بعضهما بعضاً من أجل وطن آمن ومستقر يسير في اتجاه النمو والتطور والرخاء. هذه النقلة النوعية لوضع المرأة هو جوهر من جواهر المشروع الإصلاحي بكل ما يقتضيه من تعديلات وإصلاحات تتسق وتتناغم مع روح المشروع الإصلاحي.
ولكن رغم هذه الرؤية الواضحة لخارطة الطريق أمام المشروع التقدمي، إلاّ أن المجتمع مازال يعاني من إرث الماضي، وسدنة ذاك الإرث، وهم متنفذون، يعملون جاهدين لتعطيل الجانب الحقوقي العادل للمرأة، لأنه في مفهوم هذه السدنة أن المرأة بطبيعتها «ناقصة عقل»، و طبعاً هذا إدعاءٌ باطل يراد منه ما هو أكثر بطلاناً. الأستاذة مريم الرويعي بورقتها القيمة والمهمة (المهمة جداً) قد فتحت الباب على مصراعيها لتحسس واستيعاب ومواجهة العراقيل التي تضعها قوى التخلف ودعاة الظلامية وأعداء المرأة (أعداء الأم والأخت والزوجة والإبنة والحفيدة دون استثناء)، فعرضت التحديات والصعوبات أمام المرأة للوصول إلى مواقع السلطة التشريعية.
تبدأ الورقة بمدخل عام هذا نصه: «على الرغم من زيادة تمثيل النساء في البرلمانات العربية إلا أن الإحصائيات الصادرة عن الأمم المتحدة وعن الاتحاد الأوروبي1 وبحسب تقرير الفجوة الجندرية تضع المنطقة العربية في مؤخرة قائمة المشاركة السياسية للنساء بين دول العالم».
وعن طبيعة التحديات والصعوبات فإن الورقة تصنفها في مجالين، المجال العام والمجال الخاص؛ المجال العام يأخذ النصيب الأكبر من طبيعة التحديات، لأنه ينبع من مراكز القرار ومنابر التأثير الاجتماعي والديني والموروث الثقافي، وليس أفضل من نقل كلماتها نصياً، حتى لا نترك ثغرة في روح النص التي جاءت في الورقة، نقتبس المدخل الأساس للمجال العام، وهذا نصه: «المجال العام تحكمه عوامل اجتماعية وثقافية وسلطة الدولة وسلطة التشريع ممثلة في القوانين التمييزية المعمول بها في مجتمعاتنا والتي تكرس الصورة النمطية للمرأة وتكبل قدراتها وتحد من انخراطها في الشأن العام، وفي ذلك نجد أغلب الدساتير العربية التي تقر بالمساواة للمواطنين رجالاً ونساء تنقض ذلك بأحكام وعبارات قد تدل على عدم المساواة بشكل كامل بوضع شروط أو مراجع أخرى غير الحق في حد ذاته ومن ذلك عبارات (النظام العام، الشريعة الإسلامية، الآداب العامة، العادات المرعية، حماية عقيدة الإسلام) وأيضاً عبارة طبيعة المرأة أو مسؤولياتها داخل الأسرة بما يؤدي إلى عدم اكتمال بعض الحقوق والحريات للمرأة لتحقيق مساواتها مع الرجل كمواطنة وإنسانة، ولاتزال المرأة في بعض البلدان العربية تخضع لموافقة الزوج للتمتع بحقوق من المفترض أن تكرس مواطنتها من عدمها كأحكام الطاعة في قوانين الأسرة في عدد من البلدان العربية وعدم الحصول على جواز سفر لها بدون إذن زوجها أو تضاف الزوجة إلى جواز سفر زوجها في حال موافقته كما في السودان واليمن، كل ذلك وغيره، يؤثر سلباً على جميع حقوق المرأة وتحقيق المساواة بين الرجال والنساء.
بعد هذا المدخل المسهب تأتي الورقة على أمثلة سائدة من بعض القوانين وعدد من القرارات الوزارية، إضافة إلى بعض من التقصير من جهة الدولة لتمكين المرأة للوصول الى البرلمان، وهذه في جملتها تصب في الاتجاه العام الآخر في المجتمع، وخاصة ما تمثله الجمعيات السياسية التي تتدثر بعباءة الدين والمذهب والتي تتبجح بالأسطوانة المشروخة التي تعزف نشازاً تسمعنا دوماً لحن «التقاليد والعادات»، بينما سدنة هذه الجماعات تفعل الأفاعيل التي تناقض ما تعزفها من ألحان؛ وهذه الفئات السياسية – مذهبية تحرض المجتمع ضد المرأة بأبشع الأساليب، ومنها التعرض اللفظي والتطاول على سمعة المرأة التي تسعى للحصول على حقوقها الدستورية، ويمتد التعرض اللفظي وتشويه السمعة إلى كامل كيان الأسرة، وهم يحرضون ويقدمون على هذه الجرائم دون أدنى وازع أخلاقي ودون الشعور بأية مسئولية تجاه المجتمع والدولة، ومع الأسف دون أدنى ردع من أجهزة الدولة؛ وتحمل الورقة مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها الجمعيات النسائية مسئولية عدم اعتمادها استراتيجيات بعيدة المدى من أجل إعداد المرأة لخوض الحياة السياسية. لقد تطرقت الورقة إلى أهم الأمثلة وأكثرها تأثيراً في المجال العام، إذ أن الواقع يكشف عن أمثلة مخزية كثيرة لا تنصف المرأة.
وفي إطار المجال العام كذلك تبين الورقة كيف أن الدعم المالي وتوفير الفرص غير عادلة مع المرأة مقارنة بالرجل. أما المجال الخاص، وهو أسير المجال العام، فقد تضمن عدداً من الأمثلة تخص المرأة ذاتها من حيث مهماتها العائلية وشح مواردها المالية، والأهم هو ثغرة الوعي عندها، إذ أن كثيراً من النساء يفتقرن إلى الوعي بحقوقهن ومكانتهن، وفقدان الوعي عند المرأة له دور سلبي في إتجاه دعم المرأة لتمكينها من الدخول في البرلمان، والمشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية بشأن الوطن. وتختتم الأستاذة مريم الرويعي ورقتها بعدد من التوصيات الأساسية، والتي بدونها لا يمكن أن نخطو خطوة واحدة إلى الإمام من أجل إحقاق الحق الطبيعي والدستوري للمرأة؛ ولأهمية هذه التوصيات رأيت أنه من الأفضل أن أقتبسها كاملة حتى أعطي الورقة حقها، وحتى لا أفرغ المقال من هدفه المنشود، وهذه هي التوصيات الواردة في الورقة:
«ـ إعادة تفسير النصوص الدستورية المتعلقة بالمساواة بين الجنسين وفقاً لمواثيق حقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية وعدم ربطها بعبارات تفرغها من مضمونها.
– مواءمة التشريعات الوطنية مع مبادئ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمساواة بين الجنسيين والتأكيد على تبني مبدأ الكوتا النسائية. (ونضيف على هذه التوصية بأن مبدأ الكوتا يجب
أن يكون مؤقتاً إلى حين يستقيم ميزان العدل بين المرأة والرجل).
– نشر ثقافة حقوق الإنسان واعتبار حقوق المرأة جزء أصيل لا يتجزأ منها.
– تعديل صورة المرأة في المناهج الدراسية للتربية على المساواة بين الجنسين.
– تبني برنامج متكامل ومستمر لتأهيل قيادات نسائية قادرة على ممارسة العمل السياسي.
إن ورقة الاستاذة مريم الرويعي هي بمثابة المعول الذي يضرب مجاهداً في تربة النضال من أجل إحقاق الحق بعد ألوف السنين من الإجحاف بحق المرأة، وهي مناضلة مساهماتها كثيرة ومتعددة، ولها دور فعال ومؤثر على طريق النضال من أجل حقوق المرأة؛ وتتميز ورقة الاستاذة مريم الرويعي بأنها كشفت عن الألغام في طريق المرأة ورسمت خارطة طريق لتخطي تلك الألغام وإبطال مفعولها، فلها منا كل الاحترام والتقدير…
كتبه: محمد كمال
الخبر على صحيفة الأيام https://alay.am/p/z5c