ضوء
الدكتورة أنيسة فخرو
سفيرة السلام والنوايا الحسنة في المنظمة الأوروبية للتنمية والسلام
10 نوفمبر 2020
المرأة المُعلّقة
نقرع الجرس من جديد، فقبل ثلاثين عاما، عندما كنت رئيسة جمعية أوال النسائية، عملتُ على تشكيل لجنة للنساء المعلقات والمطلقات، ووردت إلينا مئات الحالات التي تشكو من التعسف والعنف والقهر.
ومنذ عام 2000 وحتى الان نشرتُ مئات المقالات الخاصة بالمرأة ومعاناتها، وها نحن نقرع الجرس مجددا، لأننا ما زلنا نرى معاناة المرأة في المحاكم الشرعية، وقد وردت إلينا العديد من القضايا المؤلمة، ولكننا نشعر بالأمل والتفاؤل في تجاوب الجهات المعنية، لأن المرأة في البحرين أصبحت تتبوأ المناصب العليا، لذا نناشد كل امرأة في موقع المسئولية، ونناشد المجتمع بأسره، ونناشد خاصة رجال الدين المخلصين، بالتحرك لاتخاذ خطوات إيجابية عملية، لتقليل معاناة المرأة في المحاكم الشرعية.
كنا نحارب من أجل سن قانون للأحوال الشخصية، وبعد ظهور القانون مازالت المعاناة مستمرة، فالقانون شيء، وما يحدث واقعيا وعمليا شيء آخر، فمازالت معاناة المرأة في المحاكم كبيرة.
نطالب بحصر القضايا المرفوعة في المحاكم الشرعية بشقيها السني والجعفري، الخاصة بالنساء المعلقات، والعمل على حلها عمليا بأسرع ما يمكن، فكل قضية تزيد عن سنة واحدة لابد من النظر فيها، فما بالنا إذا كانت أغلب القضايا قد مر عليها خمس سنوات وأكثر، ويكفي ما أخذت من سنوات طوال وهي تراوح في المحاكم، وخاصة الجعفرية التي تتفاقم فيها المآسي مع إنه يمكن أن تُحل كل تلك القضايا بجرة قلم.
المرأة المعلّقة هي التي يتركها الزوج ما بين الزواج والطلاق، فهي لا مُتزوجة ولا مُطلقة، لا تُحسب ضمن النساء المتزوجات، لأن ليس لديها أية حقوق زوجية إطلاقا، ولا يرضى الزوج أن يفك سراحها ويُطلقها، ويبقيها عنادا وقسرا وإكراها على ذمته سنوات طوال تزيد عن العشر سنوات وأكثر، وتتعرض إلى الأذى اليومي من زوجها المفروض عليها قسرا، وعلى الرغم من وجود أدلة بممارسة العنف ضد الزوجة المعلقة، وصدور أحكام جنائية ضد الزوج في جرائم الضرب والشتم والسب والقذف، إلا إن المحكمة الشرعية لا توافق على طلاقها منه.
بالإضافة إلى سوء معاملة الزوج للأطفال، من أجل أن يحرق قلب الأم ويؤذيها أكثر، وعلى الرغم من وجود أحكام، ودفع غرامات للمحكمة، إلا أن ذلك لا يردع الزوج عن تكرار أذيتها وضربها وإهانتها، مما يجبر المرأة المعلقة على العودة مراراً وتكراراً إلى مراكز الشرطة للشكوى وتثبيت الاعتداءات، ولكن للأسف دون جدوى، بسبب أن المرأة لاتزال على ذمة ذاك الرجل المتسلط، والذي يحاول توجيه الأذى لتلك المرأة بشتى الطرق، حتى يصل به الأمر إلى أذية أطفاله بغرض الانتقام من الزوجة، فقط لأنها ترفض العيش معه وتريد الفكاك منه.
لذلك تبقى المرأة معلقة لسنوات طويلة، رغم وجود أدلة دامغة على استحالة استمرار العشرة معه، بسبب تعنيف الزوج وتسلطه، بالإضافة إلى تعمده التشهير بالزوجة والتفاخر بتعليقها، وحتى الأطفال لا ينجون من عذابه، فأي أب هذا الذي يؤذي أطفاله ويرفع القضايا من أجل تأخير نفقتهم الواجب عليه؟ ومن أجل أن تتحمل المرأة عبئا ماديا إضافيا يقع على عاتقها ظلما.
وأصبح بعض من لا ضمير لهم من الرجال يساومون على قيمة مبلغ الخلع للموافقة على الطلاق.
وعلى الرغم من رؤية القضاة بأعينهم كل ذلك العذاب الذي تتعرض له المرأة، إلا أنهم يتذرعون بالقانون، أي قانون هذا الذي يحكم بهلاك المرأة وضياع سنين عمرها معلقة؟ أي قانون يسمح بإكراه المرأة على استمرارها العيش تحت سقف واحد مع رجل يعذبها ويهينها يوميا؟
القرآن الكريم يقول: ( لكم دينكم ولي دين)، و(لا إكراه في الدين)، أي أن المرء لا يُكره على اعتناق أية عقيدة، العقيدة التي تُحدد حياة المرء برمتها لا إكراه فيها، فلماذا تُكره المرأة على العيش مع رجل يعذبها؟ والقرآن يقول أيضا (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
العقيدة والشريعة الإسلامية جاءت لتحافظ على كرامة الإنسان، كرامة الزوج والزوجة معا، فلماذا ترفض المحكمة طلب المرأة الفكاك من زوجها عندما يكون الطلاق حفاظا على كرامتها وسلامة أطفالها لتعيش بهدوء وأمان؟
لا إكراه في الحياة الزوجية، يجب أن يكون هذا هو القانون السائد المستمد من الشريعة الإسلامية العظيمة السمحاء، نحن في أمس الحاجة إلى رجال دين يفهمون حقيقة الدين الإسلامي العظيم، ويطبقون تعاليمه بشكل صحيح، فمتى نرى محاكمنا تخلو من معاناة النساء المعلقات الراغبات الفكاك من زوج متغطرس لا يعرف معنى الدين ولا معنى الحياة الزوجية؟