كان من المؤمل أن تنظر المحكمة الكبرى المدنية بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول الجاري، في الدعوى المرفوعة من الجمعيات النسائية ضد وزارة العمل والشئون الاجتماعية، والخاصة بإشها الاتحاد النسائي البحريني، ولكنها أجلت.
الاتحاد النسائي البحريني حلم قديم ومشروع طموح أرادت به الجمعيات النسائية أن تصل إلى صيغة متطورة للعمل الأهلي النسائي الذي امتد ما يقارب الخمسين عاماً، ونواة لحركة نسائية بحرينية تشكل أحد ركائز المجتمع المدني في مملكة البحرين، توحد جهود الجمعيات النسائية فيما يخص القضايا الكبرى التي تساهم في النهوض بوضع المرأة كإنسان ومواطن.
وقد رأت الجمعيات النسائية في الانفراج السياسي واتساع هامش الحرية الذي واكب مشروع جلالة الملك الإصلاحي، وما حظيت به المرأة من اهتمام من لدن جلالته، ومن صاحبة السمو قرينته، وما تبعه من تأسيس المجلس الأعلى للمرأة، فرصة سانحة لتحقيق هذا الحلم. وعندما تقدمت الجمعيات بطلب الإشهار للمرة الأولى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، كان الحماس والاعتقاد الجازم بأن الموافقة على الطلب لن تتعدى الأسبوعين، وخصوصاً أن وزارة العمل أحيطت علماً ببدايات المشروع وتوجهه منذ الاجتماع الموسع الذي عقد بجمعية نهضة فتاة البحرين في أبريل/ نيسان 2001.
وعلى رغم تأخر الإشهار، فإن الجمعيات النسائية لم يساورها أدنى شك في وجود نية لحجب النور عن هذا الوليد، وخصوصاً أن الوزارة وعلى لسان وزيرها السابق أكدت عدم وجود أية ملاحظات على النظام الأساسي المرفوع من قبل اللجنة التحضيرية للاتحاد النسائي، وان التأخير ناتج عن عقبة قانونية ستعالج قريباً بإضافة باب خاص بالاتحادات النوعية على قانون الجمعيات رقم (21) لسنة 1989، بل وأكد الوزير أنه مع أن يباشر الاتحاد أنشطته بمسمى (تحت التأسيس)، وقد كان ذلك خلال فترة الانتخابات البلدية والبرلمانية التي أعد لها الاتحاد برنامجاً متكاملاً لتوعية الناخبات ودعم المرشحات.
أمور غريبة مرّ بها طلب الجمعيات النسائية لتكوين اتحادها، تمثلت في مماحكات وزارة العمل غير المبررة، والخروج بين الفينة والأخرى بطلب جديد، فبعد أن بُلغت اللجنة التحضيرية في ديسمبر/ كانون الأول 2002 عبر مكالمة هاتفية من مديرة إدارة المجتمعات المحلية بالوزارة بموافقة الوزير على الطلب وتوقيعه، كما رُفع من قبل المؤسسين، ونُشر ذلك بالصحف المحلية في 7 ديسمبر، استدعيت اللجنة التحضيرية من قبل الوزير الجديد مجيد العلوي في يناير/ كانون الثاني 2003، وأبلغ ممثلات اللجنة التحضيرية بأن العضوية يجب أن تقتصر على الجمعيات النسائية فقط وأن تحذف العضوية المستقلة وعضوية اللجان النسائية وضم الجمعيات النسائية الجديدة. ورغبة من الجمعيات في التعجيل بإشهار الاتحاد الموعود وافقت على طلبات الوزير وتم تعديل النظام الأساسي، ورفع الطلب إلى الوزارة مرة أخرى.
ردت وزارة العمل بمسودة جديدة لنظام أساسي يجب أن تلتزم به الجمعيات إذا أرادت أن يرى هذا الاتحاد النور، وقد تفوقت مسودة الوزارة في التعسف والمماحكة إذ تم تغيير محتوى النظام الأساسي وابتدأ مقص رقيب الوزارة بإلغاء المادة الأولى من الباب الأول المتعلقة بهوية الاتحاد كمنظمة وطنية أهلية ذات طبيعة ديمقراطية، على رغم أن الدستور البحريني وميثاق العمل الوطني أكدا اكتساب مؤسسات العمل الوطني والأهلي في البحرين هذه الهوية.
ثم انعطف إلى الأهداف وألغى أهمها بالكامل، وهي المتعلقة بـ :
– إشراك المرأة بصورة فاعلة في الحياة السياسية.
– السعي إلى إلغاء أشكال التمييز كافة ضد المرأة.
– المشاركة مع الجهات المختصة لصوغ القوانين والتشريعات التي تحمي المرأة.
– تعزيز العلاقات مع الاتحادات والمنظمات النسائية العربية والدولية.
هذا، وحتى وسائل تحقيق الأهداف ألغي منها (إنشاء موقع للاتحاد على الإنترنت، إصدار مجلة ونشرة تكون صوت الاتحاد، وتم تقييد عقد ورش العمل بإذن من الوزارة، وغير ذلك من التعديلات التي طالت بند العضوية وهيكلية الاتحاد).
إن إلغاء الأهداف المذكورة يتنافى مع نص المادة (1هـ) من الدستور «للمواطنين – رجالاً ونساءً – حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية…»، ومع توقيع مملكة البحرين «اتفاق مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة» التي تُلزم الدول الأطراف باتخاذ التدابير كافة من أجل إشراك المرأة في السلطات المذكورة بل ومساءلتها عما أنجزته في هذا المضمار، هذا إلى جانب أن الأهداف الملغاة تمثل عصب أعمال الاتحاد النسائي المرتقب، ومن دونها تتداعى كل أسباب تأسيسه، والظاهر أن هذا ما تريد الوزارة إيصال الجمعيات إليه.
رفعت اللجنة التحضيرية تظلماً إلى الوزارة في 21 ابريل 2004 يتعلق بتأخير الترخيص، فردت الوزارة بالدعوة إلى اجتماع حضره من الوزارة (الوكيلة المساعدة للشئون الاجتماعية، مديرة إدارة المجتمعات المحلية ومديرة إدارة الشئون القانونية)، إذ أبلغن ممثلات الجمعيات النسائية بقرار الوزارة بالموافقة على النظام الأساسي، كما وضعته الجمعيات النسائية بشرط تغيير مسمى الاتحاد النسائي البحريني إلى اتحاد الجمعيات النسائية، وقد أصرت اللجنة التحضيرية على التمسك بالمسمى لما يعنيه التغيير من تحجيم لطبيعة عمل الاتحاد وإخلال بتحقيق الأهداف المرجوة من إنشائه.
بعد ذلك ردت وزارة العمل برسالة مذيلة بتوقيع الوزير في 24 مايو/ أيار تتراجع فيها عن الموافقة السابقة وتطالب بالالتزام بالمسودة العتيدة وبمسمى اتحاد الجمعيات.
أليس غريباً أن تنتهج وزارة العمل كل هذه السلوكيات التي تحتاج إلى من يفسرها في تعطيل الترخيص لمؤسسة أهلية طيلة ثلاث سنوات على رغم كل منجزات الإصلاح التي قلبت الكثير من السلوكيات والممارسات الرسمية السابقة؟ فهل سينصف القضاء البحريني الجمعيات النسائية ويصدر حكماً لصالح إشهار الاتحاد النسائي؟
كاتبة بحرينية
العدد 755 – الأربعاء 29 سبتمبر 2004م الموافق 14 شعبان 1425هـ